يستطيع الإنسان أن يختار أصدقاءه، عكس زملائه في العمل الذين يفرضون عليه، وبما أن معدل ساعات العمل يومياً حوالي سبع ساعات، يستحسن أن يكون هذا الإنسان على علاقة جيدة مع زملائه، وإلا تحول مكان عمله إلى جحيم لا يطاق.
بقي أصحاب العمل والمسؤولون عن تطوير الشركات مقتنعين ولفترة طويلة بأن الإنتاجية والاحترافية، هما الأساس في إنجاح الشركات والمؤسسات إلى أن لاحظ علماء النفس أن هذا النجاح يعتمد أيضاً على بيئة عمل مناسبة وفريق عمل متماسك. فكلما شعر الموظف براحة نفسية تحسن عمله وتضاعفت إنتاجيته، لكن ليس من السهل تحقيق هذه المعادلة في أيامنا لا سيما في ظل وجود عوامل عدة تسيء إلى بيئة العمل السليم.. كالتسريح وفسخ العقود.. لذلك يصعب على أي شخص الانفصال عن أحاسيسه أو تركها خارج أسوار مكان عمله. إذ لا يمكن أن يتجرد كلياً من مشاعره ويتحول إلى ماكينة إنتاج بمجرد جلوسه وراء مكتبه وأمام شاشة الكمبيوتر.
السلوكيات والتصرفات
تؤكد برايان ديروش مؤلفة كتاب «لا تعتقد أن مديرك هو والدتك» أن الموظف أو العامل يحتاج إلى توافر ثلاثة أمور أساسية لكي يتمكن من العمل بشكل سليم.. الشعور بالانتماء إلى المكان ،إلى الجماعة التي يعمل معها، وأن يكون معروفاً في وظيفته.. الشعور بأنه كفء وبأن عمله موضع تقدير.. والشعور أنه مقبول ومحبوب من قبل الآخرين. فالإنسان يتصرف في مكان عمله كما لو كان في منزله وسط أسرته، فيجلب كل واحد منا السلوكيات والتصرفات التي تعلمها ويطبقها ضمن أسرته الخاصة إلى مكان عمله، وهي تظهر أثناء المواقف الضاغطة الناتجة عن توتر العلاقات بين زملاء العمل.
الشعور بالغربة
يسهم عدم ثقة الفرد بنفسه في تعقيد العلاقات، فثمة أشخاص تطمس شخصياتهم بسهولة، فيصبح وجودهم مماثلاً لغيابهم، هذا الواقع يولد في داخلهم شعوراً بالغربة تجاه زملائهم، فيعتقدون خطأ أنهم غير مرحب بهم، في حين أن المسألة مجرد تجاهل وعدم اكتراث، وكثيراً ما يواجه الأشخاص الذين لا يتمتعون بثقة عالية بالنفس مواقف في عملهم، فهم لا يملكون الجرأة الكافية للمخاطرة في بدء حوار مع زملائهم فيبعدون ذواتهم ليصبحوا هامشين، فمن المهم تحديد مصدر المشكلة في العلاقة بين الزملاء فإذا لم يوجد شيء تلوم نفسك عليه، وإذا لم تتعرض لأي انتقادات أو وقعت ضحية مؤامرات، وجب أن تطمئن وأن تحاول تقويم موقفك وسلوكك تجاه الآخرين.
زملاء وأصدقاء
هل يمكن أن يتحول زملاء العمل إلى أصدقاء؟ لا شيء مؤكد هنا فالأمر يعتمد على كل فرد لكن في الإجمال يجب عدم إهمال تلك المناسبات البسيطة في العمل، مثل الاتفاق على تناول الفطور، وتقديم الهدايا الرمزية في الأعياد.. والدعوة إلى احتساء القهوة.. هذه المناسبات غير الرسمية تسهل حل المشكلات العالقة وتبدد أي سوء تفاهم.. لذلك وجب توخي الحذر دائماً والانتباه إلى الأشخاص الذين يحيطونه بكم في العمل، كي لا يتم إساءة فهمهم.
كذلك وجب من العلاقات العاطفية التي قد ينشأ بين الزملاء فبيئة العمل تفرض نوعاً من التنافس وتخلق علاقات غير متوازنة في جوانب عدة تولد أجواء غير سليمة في مكان العمل. ومن الصعب مثلاً أن تنشأ علاقة عاطفية بين موظف أو موظفة مع المسؤول عنه أو عنها، من دون أن تتعرض هذه العلاقة لتأثيرات ضغوط العمل، فتنعكس سلباً على جو العمل ككل.
عوامل النجاح
عندما سئل أوليفييه ديفلارد، اختصاصي في علم النفس الاجتماعي، عما إذا كان في الإمكان العمل مع أشخاص لا نقدرهم أو نكرههم، أجاب: أنه يمكن فعل ذلك من خلال البحث عن النقاط الإيجابية أو المزايا الجيدة عند هذا الآخر. إذ قد يتبين أنه يتمتع بأشياء مثيرة للاهتمام وغالباً ما نكره الآخر لأنه يعكس لنا الصفات التي نكرهها في ذواتنا، والتي نحاول أن نكتبها ونخفيها، في حين أنه يتباهى بها على الملأ.. وعن إمكانية تكوين الصداقات الجيدة في العمل، رد المختص قائلاً: لا يوجد سبب يحول دون تحقيق ذلك لكن قد تنشأ بين شخصين يكون أحدهما أعلى درجة في سلم التراتبية الوظيفية. لا يمكن أن تنجح علاقة الصداقة التي تنشأ بين الموظف ومديره لأن هذا الأخير سيعجز عن ممارسة صلاحياته بشكل فاعل.
الخوف يولد العزلة
عندما طرح السؤال كيف نتعامل مع زملائنا في حال أعربوا عن عدم محبتهم لنا؟ على الاختصاصي الاجتماعي أوليفييه أجاب: أنه يجب أولاً التأكد مما إذا كانوا يمقتوننا فعلياً، أم أن الأمر ناتج عن خوفنا من ألا يحبونا.. الشعور بالخوف يولد أحياناً سلوكيات صغيرة يشعر بها الآخرون بشكل سلبي وتؤدي في النهاية إلى عزل الشخص ذاته عن الفريق، وكلما كبر خوفه شعر أكثر بعزلته.. إذاً السلوك المطلوب من الموظف ليشعر بالراحة في عمله؟ يعتبر الصدق والبس
اطة والود والكياسة، صفات النجاح في الحياة العملية والاجتماعية على حد سواء.. وترك ثقة فسحة للآخر دوماً ومحادثته بأسلوب لائق ومجبب.