يوماً وراء يوم، تترسخ في منازلنا ومدننا، ثقافات جديدة علينا وعلى أبنائنا، بغض النظر عن الجهة التي أنتجتها أو سوقتها.
وتحتل هذه الثقافات الجديدة، حيزاً واسعاً من حياتنا اليومية، ومن حياة أولادنا، تدعونا أن نتساءل كثيراً حول آثارها القريبة والبعيدة، حول محتواها ومنهجها، وملائمتها لثقافتنا الإسلامية.
وتكثر الأسئلة يوماً بعد يوم، ونفقد الإجابة عليها، طالما أننا لا نملك مقومات الدراسات المنهجية الهادفة، المتبوعة بالتطبيق الصارم والموحد.
ومن المفترض (كبلد إسلامي له خصوصيته الثقافية والاجتماعية والدينية المحافظة) أنه عندما يتم استيراد ثقافة جديدة. فإنها تخضع لأعين الرقيب، وتنظم حولها الدراسات والبحوث، وصولاً إلى فهم صحيح لها، يتم من خلالها التعامل معها سلباً أم إيجاباً أو على الأقل تنظم وفق أطر معينة.
وعندما جاءت وسائل الإعلام بمختلف أنواعها السابقة، انتشرت في مجتمعاتنا بكل يسر وسهولة، وباتت منازلنا موطناً لها، بكل ما فيها من سلبيات وإيجابيات.
ورويداً رويداً، فقدنا القدرة على السيطرة على رقابتنا وموقفنا من تلك الوسائل.
ولكن يبقى في الأفق أمل في إعادة توجيه الدفة، وإعادة التفكير في أنظمة الرقابة، انطلاقاً من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته".
بين السلبيات والإيجابيات:
تتفاوت البحوث والتقارير حول وجود وسائل الإعلام في المنازل (وخاصة التلفاز)، وأثرها على الأطفال والنشء بين السلب والإيجاب.
ويستند كل طرف إلى جملة من الحقائق والأمثلة، صحيحة، ما يؤكد وجود حدين لتأثير وسائل الإعلام على أطفالنا.
يقول الدكتور نبيل الشريف: " لعل أهم دور سلبي تقوم به وسائل الإعلام في هذا الصدد هو جعل الناس يتعاملون مع العنف على أنه حدث عادي ونزع الرهبة من استعمال العنف ضد الآخرين".
ويضيف "فمشاهد التلفاز مثلاً الذي يرى في البرامج أو فقرات الأفلام المختلفة جرعات زائدة ومتكررة من العنف يصبح عديم الإحساس بخطر هذه الظاهرة، فالرجل يضرب المرأة، والمرأة تضرب الرجل، والرجل يضرب الطفل هذا داخل البيت، أما خارج البيت فإن الدماء تتطاير، وقطع اللحم تتناثر في الشوارع، وأصوات المسدسات والرشاشات تكاد لا تنقطع طوال مدة عرض المادة الإعلامية، كما أن جثث الضحايا تتكوم بالعشرات في كل مشهد من مشاهد الفيلم، بل قد لا ينطوي الفيلم كله إلا على مشاهد التعذيب البشع المقزز أو حتى فقرات حية من طرق الموت ".
رغم ذلك، إلا أن معظم الناس تثق بما يمكن أن تقدمه وسائل الإعلام من تثقيف وتعليم وتوجيه، يمكن أن يساهم في حلقة العلوم الواجب توفيرها للنشء الجديد، كي يواكبوا ثقافة عصرهم، ويحافظوا بنفس الوقت على تعاليمهم وشريعتهم الإسلامية.
يقول الأستاذ نضال حمادي (سكرتير تحرير مجلة إسلامية): " الوسائل الإعلامية باتت اليوم في أيدي العديد من المؤسسات والشركات الإسلامية، التي استطاعت أن توجد نمطاً مقولباً من الإعلام التثقيفي الإسلامي الهادف".
ويشير الأستاذ نضال إلى مثال واقعي فيقول: " اليوم تعد قناة المجد من أفضل القنوات الفضائية الإعلامية الهادفة، وكتجربة رائدة لها، نشاهد قناة المجد الخاصة بالأطفال، وهي قناة لا مثيل لها في العالم من حيث الهدف والأسلوب والثقافة التي تقدمها للنشء الجديد".
ويشير إلى حجم إقبال الناس على هذه القناة؛ لأنها باتت وسيلة إعلامية ترضي ميول الأطفال لمشاهدة برامج متنوعة ممزوجة بين أفلام الركرتون والمقدمين الصغار، وبين تجنب أي مشهد أو فكر قد يؤذي الأطفال، وبنفس الوقت يقدم لهم الثقافة والتعاليم الإسلامية، والعلوم الأخرى بقالب سهل ويسر، يتلائم مع مدارك الأطفال ووعيهم.
ويبدو أنه من الضروري اللجوء إلى إشباع رغبات الأطفال في الاطلاع على بعض الوسائل الإعلامية، عبر فلترة ما يقدم لهم.
يقول أحد الآباء الذين فضلوا اقتناء جهاز (ستلايت) في المنزل: " كان أطفالي وزوجتي يسمعون الكثير من أقاربهم وأصدقائهم عن التلفزيون، وعن بعض البرامج والمنوعات، وكانوا يتوقون إلى مشاهدة التلفزيون، ومرة عرفت أن ابني يزور أحد أصدقائه بشكل دائم، كي يجلس معه عند التلفاز، بعيداً عن عيني وأعين أهل صديقه".
ويضيف أبو عبدالرحمن "عقدت العزم أخيراً أن أجلب لهم ستلايت خاص، يضم قنوات معينة إسلامية، والآن هم يتابعون كل ما يبث، وقد قل شغفهم بالتلفاز بعد أن أصبح متوافراً بين يديهم".
أما أم مريم فتقول: " بناتي يدخلون إلى منزل جيراننا لمتابعة التلفزيون عندهم، وأصبحوا يفضلون الجلوس عندهم على اللعب بألعابهم الثمينة، لذلك أشرت على زوجي أن يشتري جهاز تلفاز وفيديو، وأصبحت أشتري الأشرطة الخاصة بالأطفال ذات التوجه الإسلامي، وأفلام الكرتون التي لا تحتوي أي مشاهد عنف أو إثارة أو غيرها، أملاً بأن أشبع هذه الرغبة عند بناتي".
تشير هذه القصص إلى أن الأطفال باتوا على قدر كبير من الوعي والثقافة بمعطيات العصر منذ صغرهم، وأصبحوا يطالبون بالكثير مما لم يكن السلف يفكر فيه أو يخطر له على بال.
ويبدو أنه من الضروري اللجوء إلى إشباع رغبات الأطفال في الاطلاع على بعض الوسائل الإعلامية، عبر فلترة ما يقدم لهم.
مصدر برامج الأطفال وما يبث فيها:
" لقد أصبح الأطفال في كل مكان أسرى لنفس البرامج التلفزيونية، وغداً أبطال هذه البرامج (الذين يعبر معظمهم عن منظومة القيم الغربية) أبطالاً محليين لأطفال العالم الثالث، وهذا ليس بغريب لأن ست شركات عالمية تسيطر على سوق البرامج الموجهة للأطفال في العالم، وهي: تايم وارنر (أمريكية)، ووالت ديزني (أمريكية)، وفياكوم (أمريكية)، ونيوز كوروب (أمريكية)، وبيرتلزمان (ألمانية)، وسوني (يابانية) فأين نصيب العالم الثالث من هذا؟ وهل من المبالغة القول: إن تشكيل عقول أطفالنا قد سلب منا وأصبح من مسؤولية الآخرين؟ "
حيث يصبح أبطال الكرتون الخياليون والبعيدون كل البعد عن نماذج التراث الإسلامي، هم القدوة الأولى للأطفال والنشء، ما يبعدهم عن أي نموذج حسن من نماذج سير الأمة
بهذه الجمل المختصرة، يعرض الدكتور الشريف أفكاره حول المصدر الذي يتم توريد برامج الأطفال منها إلى عالمنا العربي والإسلامي.
ويقول الدكتور وهبة الزحيلي: "أما برامج الصغار وبعض برامج الكبار فإنها تبث روح التربية الغربية، وتروج التقاليد الغربية، وترغب بالحفلات والأندية الغربية".
إن بعض البرامج، مثل: (البوكيمون) و(أبطال الديجيتال) وغيرها، تعد من أكثر البرامج رواجاً بين الأطفال، بسبب ما تحيطه الشركات المصنعة له من ألوان وحركات ورسومات وشخصيات تثير الأطفال وتسلب لبهم.
ولكن.. ما هي الأفكار التي يتم طرحها في هذه البرامج.
يشير كتاب نشر عن (دار القاسم) في السعودية، حول (البوكيمون ومحاذيره الشرعية) إلى العديد من المحاذير الشرعية التي تنطلق من هذا البرنامج الكرتوني الذي ملأ الآفاق العربية الإسلامية خلال المدة الماضية، وشهد إقبالاً كبيراً، بعد أن قامت الشركة المنتجة بتطوير فكرة لدى أحد اليابانيين من تخيّل وجود حشرات قادمة من الفضاء، تستطيع الارتقاء بنفسها والتطور، وتصنف إلى عدة أقسام.
كما قامت بتوزيع أشرطة وألعاب ومواد ترفيهية وألبسة وغيرها، كلها تحمل هذا الاسم، ما جعلها تنتشر بكثرة.
وأشار الكتاب إلى جملة من الأخطاء الشرعية التي تبثها هذه الشركة بين المسلمين، منها التروجي لفكرة (القمار والميسر) عبر لعبة (البوكيمون) ذات البطاقات الكرتونية.
وكذلك اشتمالها على رموز وشعارات لديانات ومنظمات منحرفة،
إلا أن الأسوأ ما يشير إليه الكتاب بالقول: "تبنيها لنظرية التطور والارتقاء: لعل أهم ما يجعل المرء يستنكر هذه اللعبة هو أنها تتبنى نظرية النشوء والارتقاء التي نادى بها العالم اليهودي (داروين)، والتي تقوم على تطور المخلوقات والتي تُرجع أصل الإنسان إلى سلسلة من الكائنات الحية المتطورة التي كان من آخرها القرد. والعجب أن كلمة تطور أصبحت كثيرة التردد على ألسنة الأطفال، حيث إنك تسمع من الطلاب أن هذا الحيوان الموجود في الكرت قد تطور وأصبح بشكل مختلف، ويتابعون تطوره بشغف شديد".
الموضوع منقول