الشرود الذهني في التعليم :
يعتبر الشرود الذهني في التعليم هو أحد أهم أسباب عوائق التعلم لدى الطلاب والطالبات، فهو معضلة للمعلم وللمتعلم وللآباء والأمهات وللمجتمع. ففي الشرود الذهني إهدار للطاقات والقدرات للمتعلمين وكذلك للمعلمين.. وهو ببساطة يتمثل في عدم تفعيل الطالب لقدراته المعرفية والعقلية والحسية للمثيرات المحيطة بالشكل المطلوب أو الكافي مما ينتج عنه عدم التمكن من الفهم والتعامل المناسب مع المعلومات والأحداث.وعلميًا في مجال علم النفس يعتبر الشرود الذهني كلمة تصف حالة معينة ولكن التسمية العلمية لمثل هذا المفهوم هو (نقص الانتباه) وهو سلوك مشكل يقلق المربين لأنه يظهر في أي مرحلة دراســـية، ونقـص الانتبـاه لا يقتصر على الحياة المدرسية، بل قد يتلازم مع جميع المواقف الحياتية سواء في المنزل أو في المجتمع المحيط. ومن هذا المنطلق أتت الضرورة لدراسة حالات نقص الانتباه والشرود الذهني في مجال علم النفس لجميع مراحل العمر المختلفة ومن أهمها مراحل العمر المتفقة مع المراحل الدراسية لما تمثله من ركيزة قصوى في اكتساب المعارف والعلوم وتكوين السمات الشخصية والمعرفية السوية.***ويظهر هذا السلوك في عدد من الأشكال والأنماط أهمها ما يلي:- التململ وتحريك الأطراف أحيانًا مثل اليدين والقدمين والأصابع وكذلك عدم الرغبة في الجلوس على المقعد.- سهولة تشتت الذهن بأي حدث خارجي عن الدرس ومن ثم الاستغراق في التفكير بتلك المشتتات الخارجية مع إضفاء عنصر الخيال لذلك.- صعوبة فهم التعليمات ومتابعتها وأحيانًا صعوبة تركيز السمع للمثيرات السمعية المطلوبة.- الوقوع في الأخطاء بشكل تكراري.- الإصرار على عدم القدرة لآداء المهمات ذات العلاقة بالعمليات العقلية والمعرفية.- إزعاج طلاب آخرين.- محدودية تكوين الصداقات والمعارف.- إهمال الواجبات لفقدان الثقة في الذات، وبذلك يكون الأكثر احتمالاً للانسحاب والأقل في التحصيل العلمي.- عدم احترام الذات وعدم الرضا عنها مما يفقد الثقة على ضبط الذات.- المزاجية في التعامل أحيانًا مع المحيطين من والدين وأسرة ومعلمين وأصدقاء.- ضعف معدل التركيز، وقد يراجع ذلك أساسًا للسعة البيولوجية والفسيولوجية للسعة المحتملة لقدرة الانتباه والذاكرة قصيرة المدى، وقد يرجع لعامل ضعف استراتيجيات الانتباه.- نقص الشعور بالمسؤولية.- عدم تفهم الآخرين ومعتقداتهم والمحاولة الدائمة للتبرير للذات.- سرعة الغضب والإحباط.***وللوصول إلى تفسير علمي لأسباب حدوث الشرود الذهني أو نقص الانتباه عند الطلاب، فقد قسم علماء النفس الظاهرة وعزوها إلى عدد من الأسباب أهمها:عوامل وراثية: وتتمثل في حمل بعض الصفات الجينية ذات العلاقة بالطبيعة المعرفية للإنسان مثل السعة الانتباهية الموروثة (الاستعداد الوراثي) وحالات الاضطراب في الجهاز العصبي ووجود السموم العصبية والشلل الدماغي وغير ذلك كثير.. وكذلك حمل بعض الأمراض الوراثية ذات العلاقة أو المؤثرة كما أن لكل فرد سماته الشخصية المستقلة التي تتفاعل مع بقية سماته المعرفية التي يمكن أن تســـبـب أداءً وظيفيًا مناســـبًا أو تسـبب -بالمقابل- قصورًا وظيفيًا في الجسم.ويزداد هذا النوع من الاضطرابات بين الذكور أكثر من الإناث فمن كل 6 حالات ذكور تجد بالمقابل حالة واحدة للإناث.عوامل بيئية: وتتمثل في الجو المحيط بالطالب ومدى تأثيره عليه من حيث أساليب التنشئة الاجتماعية وآثارها، وحدوث الإصابات والأمراض الجنسية والنفسية مثل القلق والاكتئاب والضغوط النفسية وغيرها كثير.فالبيئة التي ينشأ فيها الطالب أحيانًا تكون هي السبب الأكبر بحكم ما يتعرض له الطالب من إهمال وعدم إكتراث فتبدأ الأعراض.فتتشكل الأمراض بيئيًا لدى غالبية الحالات كما تشير الدراسات التجريبية بنســـبة 59% قبل ســـن الرابعة، وغالبًا ما تحدث حالات نقص الانتباه والشرود الذهني الدراسي نتيجة للآثار البيئية وأهمها:1- الضغوط النفسية بمختلف أشكالها.2- الضغوط الاجتماعية بمختلف أنماطها كذلك.3- عدم تقدير الذات والرضى عنها.4- سهولة التشتت مع أي مثير جانبي.5- اضطرابات النوم والشخير الليلي فهو لا يعطي القسط الكافي من الاستغراق في النوم العميق مما يعيق التركيز والفهم أثناء اليوم.***ثم يأتي دور العلاج للشرود الذهني وقد بني على خطوات أهمها:- أولاً: يجب الاستعانة بالله في أداء الواجبات والقيام بالأذكار اليومية واستحضارها واستشعارها، مصحوبة بالثقة بالله -سبحانه وتعالى- فهي أول مصدر للراحة والطمأنينة وتجعل الفرد لديه القدرة على تحديد الأولويات وبذكر الله تطمئن القلوب وتسكن الأنفس.- فإذا كان الخلل عضويًا بالدرجة الأولى فهناك العديد من العقاقير المناسبة ذات المفعول الجيد للتركيز الذهني وقلة الأعراض الجانبية وعدم حصول الإدمان على هذا العقار، وتؤخذ بطبيعة الحال تحت إشراف طبيب مختص لتحديد الجرعات الأنسب، ومن أهم هذه العقاقير:1- ديكسروين.2- ريتالين.3- إدريال وكونسيرتا.هذه العقاقير تزيد مدة التركيز وتقلل الحركة الزائدة وتزيد الإحساس بالآخرين وتزيد من التنظيم الذاتي والآداء الدراسي والكتابة وتحسين الخط.- وهناك علاج سلوكي نفسي معرفي اجتماعي يتمثل في أشكال متعددة منها: طريقة التعزيز (الثواب) للسلوك المطلوب وإعادة تشكيل السلوك بتقديم النماذج الأمثل وزرع الدافعية الشخصية واستثارة كوامن التحفيز، والتعرف على طبيعة الوقوع في الأخطاء المعرفية والمعتقدات ومن ثم محاولة تغييرها بالمدركات المعرفية الصحيحة.. وكذلك معرفة أهم القدرات ومن ثم محاولة زرع الثقة من خلالها.***- وهناك عدد من الأساليب لمساعدة الطلاب في هذا الصدد منها:1- تدريس بعض العوامل التي تساعد الطلاب على تركيز الانتباه في المهمات الدراسية المنوطة بهم. فأحيانًا يستبعد المعلم العوامل التنافسية التي لا يبرز معها إلا الطلاب ذوو القدرات المتقدمة معرفيًا دون قتل للمهارات الإبداعية للمتفوقين.. وكذلك تحديد المطلوب بالضبط عدد المرات مع وجود اتصال بصري لفئة قليلة الانتباه لشحذ همة التركيز.. ويفضل وجود وسيلة إيضاح سمعية أو بصرية أو كليهما مع إعطاء فرصة للنقاش لمزيد من الاستثارة الحسية والمعرفية.2- تدريس بعض العوامل التنظيمية والفاعلة في استخدام الوقت والجهد.. فكثير من الطلاب ذوي الشرود الذهني يقعون تحت مؤثر الأحلام الخيالية والتي ليست ذات صلة بالواقع لذلك قد يذهب اليوم الدراسي بلا إنجاز لأية مهمة، هؤلاء الطلاب مع الوقت سيخسرون الكثير من المعلومات والمعارف والخبرات، ولكن يستطيع المربي والطالب كذلك عمل عدة أمور تنظيمية تؤثر إيجابيًا في تحصيلهم الدراسي، فيحدد لهم وقتًا لإنجاز المهام والواجبات تحديدًا وبطريقة دورية مجدولة، ويتأكد المربي من أنهم كتبوا وأنجزوا ما طلب منهم.. كذلك إدخالهم مع مجموعات طلابية للتعلم بالتفاعل والقدوة والممارسة والخبرة مع الاستفادة من طرق التعلم الجماعي والتعاوني في هذا المجال، مع تنظيم ملف خاص بالواجبات والمهمات والاختبارات.3- تدريس وتشجيع السلوكيات المطلوبة في القاعة أو الفصل الدراسي، وتحفيزهـا مـن أجـل اســــتثارة جمــيع أو أكثر السلوكيات المرغوبة. وكذلك تشـــجيع السـلوكيات التي يراد ضبطها أو تم ضبطها بالفعل.4- تنظيم النوم والحرص عليه مبكرًا من قبل الطلاب فعدم الحصول على قسط كافٍ من النوم يسهم في تدني التركيز وزيادة الشرود الذهني وسهولة التشتت مع المثيرات الجانبية.5- طلب المساعدة الإرشادية من المختصين في مجال علم النفس والطب النفسي فهو عامل مهم يساعد على تفهم المشكلة بالتفصيل ومن ثم تقديم المساعدة الأمثل.