[b]
الفجور في الخصومة
إن الخصومة سلوك مشين لا يؤدي إلى خير , بل فيه فشل و ضعف و تفكيك للبناء , قال تعالى (و لا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) , و الحديث عن الخصومة له درجات و مستويات و هو من علامات النفاق :
1- الخصومة بين الأفراد :
و ينتج عادة عن التنازع في الأموال و الحقوق بصورة عامة , و كثيرا ما يؤدي الفجور إلى تعدي بعض الأفراد على بعض هذا إذا كان الأفراد فيهم ورع و دين , و قد تحدث الخصومة نتيجة الظلم و التعدي و القهر و الإستعلاء من بعض الناس على بعض .
إن أول علاج لمثل هذا النوع من الخصومة هو ألا تتجاوز الخصومة حدود موضوعها و ألا يشتط الأفراد في تحصيل الإنتقام أو السعي للإهانة و تدمير الطرف الآخر تنفيسا للغضب و إثباتا للإستعلاء و تحقيقا لمصلحة النفس . فإذا كبح الإنسان جماح نفسه عن تحصيل ذلك كانت الخطوة التالية هي تحديد نقاط الخصومة و أسبابها , فإذا إنحصرت سهل بعد ذلك تأطير الخصومة في إطارها و النأي بها عن أسباب العداوة و البغضاء , و التي هي في الأساس ناتجة عن النأي عن شرعة الله و منهاجه , قال تعالى ( فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة و البغضاء إلى يوم القيامة ) .
إن الفجور في الخصومة بين الأفراد تتجاوز آثاره طرفي الخصومة إذ يدخل فيها أطراف كثر , و تتراكم فيها المشكلات و تتوالد و تتباعد فيها الشقة و يعز فيها الإصلاح .
2- الخصومة بين الجماعات :
إن الفجور في الخصومة بين الجماعات له أثر عجيب و غريب , و حيث أن الناس كانوا أمة واحدة كما قال الله تعالى ( كان الناس أمة واحدة ) , فإن النظر إلى الخصومات الحديثة في الجماعة الواحدة و تداعياتها حتى يحصل الإنشقاق ثم متابعة ذلك حتى تتوسع هوة الخلاف ينبىء عن دور الفجور في الخصومة و أثرها على الجماعات .
كم من جماعة كانت متسقة الرؤى و التوجهات حدثت فيها خصومات بسيطة بين زعمائها في أمور ليست جوهرية ثم إنشقت من أجل ذلك , و كال كل طرف للآخر التهم و وسمه بأقذع الألفاظ , و قد كان بالأمس له حليفا و ناصرا و ممجدا .
إن مشكلة الإنشقاق في الجماعات غالبا ما تنتج عن عدم وضوح الرؤية بل و ربما عدم الإتفاق حولها و من ضبابية الأهداف و هلاميتها , و من حب بعض القيادات للسيطرة و التنفذ و من الإتجاه الفاجر في خصومتهم .
لا بد لمعالجة هذه المشكلة من التالي :
أ- تحديد رؤية واضحة و أهداف محددة .
ب- تربية الأفراد على قبول الرأي الآخر و التواضع و خفض الجناح .
ج- تحجيم المتهجمين الفاجرين في الخصومة .
3- الخصومة بين الأمم :
إن الفجور في الخصومة بين الأمم يؤدي إلى تداعيات تؤثر على قطاع واسع من الناس و الأمم و الجماعات و الإتجاهات , بل و يؤدي إلى حراك عنيف و عراك محتدم ليس حول حول المشكلة التي كانت شرارة النزاع , بل إن الفجور يؤدي إلى سعي الحكومات إلى الإقصاء أو السيطرة أو التدمير أو التحجيم , و السعي لتأليب المصائب و وضع العقبات و المصاعب في وجه الطرف الآخر .
إن تأطير المشكلات في إطارها صعب للغاية في مستوى الأمم و الدول ذلك أن المؤثرات الفاجرة فيها عادة ما تكون كثيرة و متباينة و تحتاج إلى حكمة و جلد و سيطرة من القادة , و هذا ما تفتقده الكثير من الأمم و التي ترسم سياساتها و تتخذ قراراتها في ضوء الضغوط من الجهات المتنفذة , و متطلبات الصراع حول السلطة .
و أول قيادة تفتقد السيطرة هي القيادة الناتجة عن التوجه الديمقراطي الحديث , فإنها تتوجه وفق إملاءات الحواشي المتنفذة , و تستجيب لرغبات الجهات التي تؤثر في بقاء القيادة في السلطة , و خير مثال لذلك الولايات المتحدة الأمريكية و التي تؤثر في توجهاتها العالمية دوائر غاية في الضيق لكنها تمثل طوق البقاء في القيادة .
إن حلول مثل هذه الخصومات صعب للغاية – كما أسلفت – و أول خطوات يمكن أن تقوم بها قيادة رشيدة لأمة هي :
أ- ضمان الجبهة الداخلية للأمة :-
إن ضمان الجبهة الداخلية لا يتم بالإقناع الفكري أو التجميل الشكلي لمظهر المعيشة و بيئتها , بل يتم و يتحقق بالآتي :
(1) العدالة في معاملة الأفراد و الجماعات بصورة عامة : رؤساء و مرئوسين , نظاميين و مدنيين .
(2) العدالة و المعقولية في الجباية ( إن يسألكموها فيحفكم و يخرج أضغانكم ).
(3) جعل الإنسان في أولويات القيادة , أكله و مشربه و ملبسه و مأواه . إن كل واحد من هذه النقاط يحتاج الحديث عنه إلى تفصيل و إطناب ربما نتكلم عنه لاحقا إن شاء الله .
ب- تحديد نقاط الخصومة و العوامل التي أدت إليها :
و هو أمر صعب للغاية إذا تركت الأمور تتداعى عبر الأمن و التصعيد و التدخل , و الذي يؤدي إلى توليد المشكلات و تراكمها , و خروج قضايا ساكنة إلى السطح , فلا بد من السرعة في تحديد نقاط الخلاف و عواملها و السعي المباشر إلى النقاش و التحاور حولها و عدم الخروج عنها مهما فجر الطرف الآخر إلا ردا أو تقويما .
ج- حسم الملعونين :
إن الملعونين يعدون دوما لإشعال الفتنة و تأجيج نيرانها ( الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها ) , و ينبغي حسم مثل هؤلاء نقدا و تنبيها و تأديبا , فإذا كانوا ( كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها ) فينبغي أن يحصروا و يرصدوا حتى يفيقوا .
إن الفجور في الخصومة سوء أدب و تعد و طيش , و قد قال تعالى ( و لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى ) .
المرجع :-
محمد أبو بكر الرحمنو ، http://www.dahsha.com/viewarticle.php?id=28838