ماذا يقصد بالعنف التربوي؟
يتمثل العنف التربوي بسلسة من العقوبات الجسدية والمعنوية المستخدمة
في تربية الأطفال والتي تؤدي بهم إلى حالة من الخوف
الشديد والقلق الدائم , والى نوع من العطالة النفسية التي
تنعكس سلبا على مستوى تكيفهم الذاتي والاجتماعي ويتم العنف
التربوي باستخدام الكلمات الجارحة التبخيسية
واللجوء إلى سلسلة من مواقف التهكم والسخرية والأحكام
السلبية إلى حد إنزال العقوبات الجسدية
المبرحة بالطفل والتي من شأنها أن تكون مصدر تعذيب واستلاب
كامل لسعادة الأطفال في حياتهم المستقبلية.
إن العنف التربوي لايعد غاية بحد ذاته , بل هو وسيلة نعتمدها من
اجل توجيه الأطفال وتربيتهم وفقا لنموذج اجتماعي واخلاقي
حددناه منذ البداية . إن اللجوء إلى العنف التربوي
والى التسلط في العملية التربوية
يعود إلى أسباب اجتماعية
ونفسية وثقافية متنوعة تدفعنا إلى ممارسة ذلك الأسلوب:
1 -الجهل التربوي بتأثير أسلوب العنف , يحتل مكان الصدارة
بين الأسباب فالوعي التربوي بإبعاد هذه المسالة أمر حيوي
وأساسي في خنق ذلك الأسلوب واستئصاله
2 -إن الأسلوب يعد انعكاسا لشخصية المعلم بما في ذلك
جملة الخلفيات التربوية والاجتماعية التي
أثرت عليهم في طفولتهم . أي انعكاس لتربية التسلط
التي عاشوها بأنفسهم عندما كانوا صغارا.
3- إن ما يعزز استخدام الإكراه والعنف في التربية , الاعتقاد
بأنه الأسلوب الأسهل في ضبط النظام
والمحافظة على الهدوء ولا يكلف الكثير من العناء والجهد.
4- بعض التربويين يدركون التأثير السلبي للعقوبة الجسدية
يمتنعون عن استخدامها لكن ذلك لا يمنعهم من استخدام
العقاب المعنوي من خلال اللجوء إلى قاموس المفردات النابية ضمن إطار
التهكم والسخرية والاستهجان اللاذع ,والعقوبة أثرها في النفس
أقوى من العقوبة الجسدية بكثير.
فنحن نناقش قضية إنسانية
تهم ملايين البشر، تلك الأسرة التربوية التي تشكل معظم أفراد الشعب,
ولما كان التربويون جزءا من الحياة
فقد اكتسبوا عادات العنف من حياتهم التي اضطربوا فيها حينما كانوا
أطفالا قبل المدرسة وطلبة
وباحثين ومعلمين ومديري مدارس وقائمين على مؤسسة التربية والتعليم
أهمية المشكلة:
إن المساهمة في حل هذه المشكلة ستدفع نحو تطوير العملية التعليمية
في بلادنا , ذلك إن القضاء على العنف
داخل أروقة المدرسة سيؤدي إلى انصراف الطلبة والمعلمين ومديري
المدارس والمسؤولين
إلى تجويد تلك العملية وسيعطي مجالا لازدهار التربية والتعليم ,
وفي مجالات المجتمع المدني المنشود .
إن خلق مدرسة تقوم على الاعنف يعني في نهاية المطاف خلق
عالم يحترم الإنسان وحقوقه، فالهدف الأساسي من التربية
هو تحقيق النمو والتكامل والازدهار.
إن التعليم كما يجري في شخصية الإنسان يتميز
بصفتين رئيسيتين : فهو من جهة يقلل من أهمية الإقناع والمكافأة
ومن جهة أخرى يزيد من أهمية العقاب الجسدي والتلقين.
هناك طوقا تربويا على الأقل نحو تفعيل التربية وعصرنتها وبث مفاهيم
ديمقراطية في العملية التعليمية,ومن هذه المفاهيم إقامة علاقة
إنسانية بين أركان التعليم خصوصا بين المعلم والطالب واستلام
ذلك طلب الوزارة صراحة بعدم استخدام أساليب العنف المادي
واللفظي تجاه الطلبة , بالإضافة لنشر المئات من المرشدين النفسيين
في المدارس لتوجيه سلوك الطلبة وفهم مستوياتهم وحل مشاكلهم بأساليب
تربوية حديثة بعيدا عن الأساليب القديمة ، ومعنى ذلك إن راس الهرم
التربوي يتفق مع الاعنف في المدارس , لكن المشكلة تظل كامنة
في الطالب والمعلم والمدير كونهم مواطنين مازالوا يتأثرون
بالمجتمع الذي يعيشون فيه كما يقول الباحث الدكتور علي وطفة:
بعض المعلمين وبتأثير من خلفياتهم الثقافية التربوية يلجئون
إلى أسلوب العنف في تعاملهم مع التلاميذ وذلك للأسباب التالية :
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
1-بعض المعلمين ينتمون إلى أوساط اجتماعية تعتمد
التسلط والإكراه في التربية وهم في المدرسة يعكسون حالتهم هذه.
2-بعض المربين لم تسنح لهم فرص الحصول على تأهيل
تربوي مناسب, أي منهم ليتابعوا تحصيلهم العلمي ,
فهم بذلك لا يملكون وعيا تربويا بطرق التعامل مع الأطفال
وفقا للنظريات التربوية الحديثة .
3-المعلم بشكل عام يعيش ظروف اجتماعية تتميز بالصعوبة
الحياتية , إضافة إلى الهموم والمشكلات اليومية
التي تجعله غير قادر على التحكم بالعملية التربوية ,
إذ يتعرض للاستثارة السريعة والانفجارات العصبية أمام التلاميذ .
4-إن الفكرة السائدة سابقا إن المعلم المتسلط هو الذي
يتحقق لديه مستوى الكفاءة العلمية التربوية معا.
ولكن هذه النظرية أثبتت خطاها فان المعلم الديمقراطي
هو المعلم المتمكن المؤهل وهو وحده الذي يستطيع أن يعتمد على
الحوار الموضوعي في توجيه طلابه وتعليمهم ,دون اللجوء إلى العنف.
5-المعلم الذي يستخدم الاستهجان والتبخيس والكلمات النابية
لأنه يكرس العنف ويشوه البنية النفسية للطالب ,
والمدرسة عندما تتبع هذه الأساليب من عنف وإكراه وإحباط
إزاء التلاميذ تكون بمنزلة مؤسسة لتدمير الأجيال وإخفاقهم في كل المجالات.
هناك عدة نصوص سواء في مجال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
أو اتفاقية حقوق الطفل أو نصوص منظمة العمل الدولية,إضافة إلى
التشريعات العربية المحلية تنادي بحقوق الطفل, ولكن العمل لا يكون في
مجرد إصدار القوانين مهما كانت عادلة وسامية, الحل هو تطبيق المجتمع لها
ماذا عن التطبيق ؟ ماذا عن وضع الطفل الحقيقي ؟!
وما هو البديل ؟!
البديل
إذا الإنسان يتميز بالقدرة غير المحدودة في تكيفه مع البيئة وفي تكييف
البيئة لحاجاته، وان خروج الطفل عن الأنظمة المدرسية له أسباب يجب
أن نبحث عنها في إطار الوسط الذي يعيش فيه التلميذ والأسرة التي ينتمي إليها .
وتوجد أساليب متعددة ومتنوعة جدا يمكن استخدامها
في معالجة هذه الظاهرة القليل من الاحترام
والتفهم يجعلنا قادرين على احتواء مظاهر العنف ,
وفي كل الأحوال فان العنف والإكراه عملية تخدير مؤقت وليس حلا جذريا
, لان الطفل الذي كبح جماحه بالقوة سيعود إلى مخالفة النظام
كلما سنحت له الفرصة.
أما فيما يتعلق بمسالة التقصير المدرسي والتخلف الدراسي:
هذه الظاهرة تعود إلى عوامل اجتماعية وأسرية,والتقصير
ليس مسؤولية الطفل وحده بل هو مسؤولية الأسرة ومسؤولية المدرسة ذاتها.
وفي كل الأحوال العقاب ليس حلا، إنما المساعدة والتفهم والتشجيع
ومعالجة الظروف المحيطة بالطفل هي الوسائل التربوية
التي يجب أن تعتمد كحلول موضوعية لهذه الإشكالية.