الآثار الاجتماعيَّة لإدمان هذه الغرف في النقاط التالية:
1 - آثاره على الشخصيَّة:
تقول المشاهدات والمتابعات: إنَّ مدمن الإنترنت يعاني من عدَّة مشاكل، منها:
أ - الاضطراب:
وهو واضحٌ في شخصيَّة المدمن، حيث يتمثَّل في حمله لشخصيَّتين؛ الأولى: شخصيَّته الحقيقيَّة، والثانية: شخصيَّته "الإنترنتيَّة" التي صنعها لنفسه، حيث يرسم هؤلاء المدمنون لأنفسهم شخصيَّاتٍ أخرى يتعاملون من خلالها داخل هذه الغرف، والأصحُّ أن نقول: إنَّهم غالباً ما يرسمون لأنفسهم الشخصيَّات التي كانوا يتمنَّون أن يكونوها في حياتهم الحقيقيَّة، فلمَّا فشلوا عاشوها خيالاً "إنترنتياً" سرعان ما تنامى واستشرى فيهم، خاصَّةً مع ازدياد استخدامهم للإنترنت، حتى أصبح اضطراباً واضحاً، وخللاً جليًّا في شخصيَّاتهم، فغدوا يخلطون بين الحقيقة والتوهُّم في اندماجٍ نكِدٍ قلقٍ متعارض، ومن الطبيعيِّ أن يندرج هذا التخبُّط على تصرُّفاتهم وأفعالهم، ليصبحوا أشخاصاً مضطربين متناقضين في ردود أفعالهم، مختلفين مختلطين بين تمثيلهم لهاتين الشخصيَّتين، فتارةً لهذه، وتارةً لتلك.
ب - الانطوائيَّة والانكفائيَّة: فمدمن الإنترنت يعيش عالمه الواسع الرحب فقط من خلال هذا الجهاز الصغير الذي أمامه، لا يتواصل إلا من خلاله، ولا يتعرَّف إلا بواسطته، ولا يُعرَف إلا به، فكلُّ حياته وصداقاته وعلاقاته تكون عبر الكمبيوتر، ونتيجةً لهذه العلاقات، ونتيجةً للساعات الطوال التي يجلسها يومياً أمام الإنترنت، تتساقط علاقاته وصداقاته الحقيقيَّة واحدةً تلو الأخرى، حتى لا يبقى منها شيء، وتُختَزل حياته في علاقاتٍ إلكترونيَّة لا يدري حتى كونها حقيقيَّةً أم مزيَّفة! وهذا كلُّه يؤصِّل الانطوائيَّة والانكفائيَّة في نفسه، فيكون خروجه لمجتمعه كمن يخرج من كهف عاش به مئات السنين، فيحسَّ
بالغربة وعدم الانتماء لمجتمعه وواقعه، فيبتعد ثانية، وينطوي وينكفئ، حتى يصبح مخلوقاً منعزلاً لا يمتُّ للحياة البشريَّة بصلة.
ج - السخط على المجتمع:
نتيجةً لمشاهدات وسمعيَّات المدمن بما يتمتَّع به غيره في بلاد أخرى من مميِّزات يفتقدها هو، ويتمنَّى الحصول عليها فلا يستطيع، ينقلب ذلك عليه بعدم الرضى بحاله، وبالسخط على المجتمع، وبالتالي لا يكون عنصراً منتجاً فيه، بل وغالباً ما يصبح عنصراً ضارّا، وهادماً، وناخراً في جسد الأمَّة.
2- آثاره على الدراسة:
بيَّن الاستطلاع الذي نشره أ. بربر عام 1997 في مجلَّة USA Today تحت عنوان: "تساؤلاتٌ حول القيمة التعليميَّة للإنترنت" أنَّ 86% من المدرِّسين المشتركين في الاستطلاع يرون أنَّ استخدام الأطفال للإنترنت لا يحسِّن أداءهم؛ وذلك بسبب انعدام النظام في المعلومات على الإنترنت، بالإضافة إلى عدم وجود علاقةٍ مباشرةٍ بين معلومات الإنترنت ومناهج المدارس.
وقد كشفت دراسة كيمبرلي يونج -أستاذ علم النفس بجامعة بيتسبرج في برادفورد بالولايات المتَّحدة الأمريكيَّة- أنَّ 58% من طلاَّب المدارس المستخدمين للإنترنت اعترفوا بانخفاض مستوى درجاتهم، وغيابهم عن حصصهم المقرَّرة بالمدرسة، ومع أنَّ الإنترنت يعتبر وسيلة بحثٍ مثاليَّة، فإنَّ الكثير من طلاَّب المدارس يستخدمونه لأسباب أخرى، كالبحث في مواقع لا تمتُّ لدراستهم بصلة، كالثرثرة في حجرات الحوارات الحيَّة، أو استخدام ألعاب الإنترنت.
3- آثاره على العلاقات الزوجيَّة: بسبب إقامة البعض علاقاتٍ غراميَّةٍ غير شرعيَّة من خلال الإنترنت تتأثَّر العلاقات الزوجيَّة؛ حيث يحسُّ الطرف الآخر بالخيانة، وقد أُطلِق على الزوجات اللاتي يعانين من مثل هؤلاء الأزواج بأنهنَّ أرامل الإنترنت (Internet Widowers) ويعترف 53% من مدمني الإنترنت أنَّ لديهم مثل تلك المشاكل، وذلك طبقاً للدراسة التي نشرتها كيمبرلي يونج في مؤتمر مؤسَّسات علماء النفس الأمريكييِّن المنعقد عام 1997 .
4- آثاره على الأسرة:
يتسبَّب انغماس المدمن في استخدام الإنترنت، وقضائه أوقاتاً أطول وأطول فيها في اضطِّراب حياته الأسريَّة، حيث يقضي المدمن أوقاتاً أقلَّ مع أسرته، كما يهمل المدمن واجباته الأسريَّة والمنزليَّة؛ ممَّا يؤدِّي إلى إثارة أفراد الأسرة عليه، إضافةً إلى تأثير ذلك على كيان الأسرة، بل وتهديده لهذا الكيان بالتحلُّل والانهيار.
5- آثاره على "التطبيع الاجتماعيّ" مع الكيان الصهيونيّ:
إذا كانت محاولات التطبيع السياسيِّ والاقتصاديِّ مع الكيان الصهيونيِّ لم تحقِّق النتائج التي كان يرجوها الإسرائيليُّون، فإنَّ محاولاتٍ جادَّةً تمَّت عبر غرف الدردشة لتحقيق التطبيع الاجتماعيّ، وقد اتَّخذت أشكالاً متعدِّدة، تراوحت بين المباشرة وعدم المباشرة، والصفة الرسميَّة والصفة الفرديَّة، فبينما نجد غرفاً خاصَّةً في برامج الدردشة تحمل أسماء واضحة المعنى والمغزى، ك:Israel في برنامج MIRC الشهير، نجد أنَّ هناك غرفاً تحمل أسماء غير مباشرة، والتي تأخذ أشكالاً متعدِّدة، مثل استخدامهم مصطلح Abrahamic Forum في غرف الدردشة على شبكة MSN.com للدلالة على تقارب الأديان الثلاثة المتعلِّقة بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام "الإسلام- النصرانيَّة- اليهوديَّة"، أو مصطلح "حوارات الأديان Interfaith Dialogue على شبكة Yahoo.com، والذي يعني في ظاهره حوارات الأديان السماويَّة للتواصل والتقارب، بينما هذين المصطلحين في الحقيقة ما هما إلا وسيلةٌ لتقبُّل إسرائيل في المحيط الإسلاميِّ والعربيّ، كما لا ننسى الوجود المتكرِّر للإسرائيليِّين كأفرادٍ في غرف الدردشة العربيَّة، محاولين إثبات وجودهم بها، والتعرُّف على الشباب العر بيِّ والإسلاميّ، وغرف Egypt و Jordan فيMIRC خير مثالٍ على ذلك، فهل نجح الإسرائيليون في اختراق الرفض الاجتماعيِّ الإسلاميِّ لهم عبر الإنترنت فحقَّقوا عبر "المدمنين" ما فشلوا في تحقيقه عبر المؤتمرات واللقاءات السياسيَّة والاقتصاديَّة، وعبر الطرق الحكوميَّة الرسميَّة؟
داعيةُ غرفِ الدردشة ..
محاذير يجب أن تراعى:
إننا لا نستطيع أن نقول: إن الدردشة حرام في ذاتها، فهي مثلها مثل أي مباح؛ حرامها حرام، وحلالها حلال؛ لأن العبرة في الحكم بالجواز أو عدم الجواز ليست في الوسيلة الناقلة للخطاب، ولكن في مضمون الخطاب نفسه، فيمكن استغلالها في الحلال كما يمكن استغلالها في الحرام، وقد تكون نعمة، كما يمكن أن تكون نقمة، وأنت يا أخانا ترى أنها وسيلة للدعوة إلى الله تعالى، وكذلك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما المانع من ذلك ما دام القصد من وراء ذلك هو ابتغاء مرضاة الله تعالى؟
ولكننا نلفت نظرك إلى ثلاث نقاطٍ هامة، وهي:
الأولى:
احذر أن تأخذك غرف الدردشة إلى ما لا تحب، فتفتنك أو تفتن بك؛ إذ قد تأخذنا أحياناً حلاوة الحديث إلى ما لا نحبُّ أو نريد، وهذا قد يوقعنا في المحظور.
الثانية:
انتبه أن تستهلك الدردشة وقتك وتلهيك عن الصلاة والطاعات، فلغرف الدردشة حلاوةٌ ما إن يدخلها الإنسان حتى تستهلك وقته أضعافاً مضاعفةً مما قرر أن يعطيه لها، وبالتالي تأكل الأخضر واليابس من وقتك الثمين الذي ستحاسب عليه.
الثالثة:
للحديث مع الجنس الآخر محاذير وضوابط عليك مراعاتها والالتزام بها، وهي نفس المعايير العامة الحاكمة للتعامل بين الجنسين في الشارع، ولكن وحيث إن غرف الدردشة، تتيح لمستخدمها قدراً كبيراً من الخصوصية، وحرية التعبير والبعد عن الرقيب، فتكون مدعاةً للتجاوز أكثر من غيرها من الوسائل، فوجب فيها الاحتياط أكثر من غيرها، ولذلك يجب الاحتياط والحرص خشية الوقوع فيما يغضب الله تعالى.