الكذب من المشكلات الخلقية التي لا تواجه عادة من هيئة المدرسة بالتقويم أو العقاب الذي يتناسب مع درجة خطورتها , و هي من المشكلات التي لا مجال لمنعها أو علاجها إلا عن طريق أساليب علاجية أو عقابية منظمة و من المهم أن لا تكون المدرسة مجتمعا يساعد على تنمية هذه الانحرافات بالوقوف موقفا سلبيا تجاهها و لذلك تحول هذه الحالات للأخصائي الاجتماعي المدرسي ليتعامل معها بأساليبه العلاجية و الوقائية و الانمائية .
و الكذب من المشكلات التي تتصل بالخوف إتصالا وثيقا , و يرى بعض الباحثين أن الكذب الحقيقي عند الأطفال لا ينشأ إلا عن خوف و الغرض الأساسي منه حماية النفس , و نظرا لشيوع الكذب و أهميته البالغة نتجه لدراسته قائما بذاته , و يرجع الاهتمام بهذا الموضوع إلى أسباب عدة أولها : أن الكذب يستغل في العادة لتغطية الذنوب و الجرائم الأخرى و ثانيها : و جود علاقة كبيرة بين خصلة الكذب و خصلتي السرقة و الغش و قد وجد الباحثون في جرائم الأحداث بنوع خاص أن من إتصف بالكذب يتصف عادة بالسرقة و الغش , و لا غرابة في هذا إذا علمنا أن هذه الخصال الثلاثة تشترك في صفة واحدة و هي عدم الأمانة حيث أن الكذب هو عدم الأمانة في وصف الحقائق , نجد أن السرقة هي عدم الأمانة نحو ممتلكات الغير , و أن الغش هو عدم الأمانة في القول أو الفعل بشكل عام .
و في كثير من حالات الكذب نجد لها جذورا مستمدة من البيئة الأسرية , فقد يمتصها التلميذ من أنماط السلوك التي تظهر في تصرفات الوالدين أو في علاقاتهما ببعضهما , و هنا يقع على عاتق الأخصائي الاجتماعي المدرسي مساعدة الآباء و الأمهات بتهيئة الجو الأسري الهادي الذي يشعرهم بالدفء العاطفي , و الذي يساعد المدرسة في تأدية رسالتها التربوية و يجنب تلاميذها مثل هذه المشكلات الخلقية .
و الأخصائي الاجتماعي المدرسي عندما يمارس أدواره المهنية مع هذه الحالات يدرس كل حالة على حدة , ليتبين إذا ما كان التلميذ كذبه متكررا أم نادرا و إن كان متكررا فما نو عه و ما الدوافع إليه ؟ فإن كانت دوافعه بيئية فإنه يشترك مع الأسرة في علاجها , مع تبصره للأسرة بهذه الدوافع , و تأكيده لها بعدم مواجهة الكذب بالضرب أو السخرية أو التشهير , لأن هذه الأساليب العقابية تأتي بنتيجة عكسية .
كما يشترك الأخصائي الاجتماعي المدرسي مع الأسرة في أن يتجنب الطفل الظروف التي تشجع على الكذب , فلا تعطى للكاذب الفرصة للإفلات بكذبه دون أن نكشفه بالأدلة القاطعة حتى لانتسرع في إصدار الأحكام عليه و إذا كان لدينا تلميذا تعودنا منه الكذب فلا نجعله شاهدا في حادثة ما , لأن هذا يعطيه فرصة في للإستمرار في كذبه فتتثبت بالتكرار و التعود , و عندما يتعامل الأخصائي الاجتماعي مع هذه الحالات فإنه يهتم اهتماما كبيرا بتكوين علاقة مهنية قوية تشعر التلميذ بتقبله و احترامه , و أن هناك من يحبه رغم سلوكه المنحرف , وعندئذ يطمئن إلى الأخصائي و يثق به , و يبادله الحب و الاحترام , و يقع تحت تأثيره و عندئذ يستطيع الأخصائي الاجتماعي تغيره و تعديل سلوكه , بعد مساعدته في إحداث التعديلات البيئية و الذاتية اللازمة .
بعض العوامل التي تشجع التلميذ على الكذب :
1-خوف التلميذ من العقاب و التأنيب و التوبيخ يدفعه إلى الكذب ليقي نفسه منها .
2-كثرة المنجزات المدرسية التي يطالب بها التلميذ تجعله يستعين بمن ينجزها له , ثم يكذب مدعيا أنها من جهده وعمله .
3- إسناد بعض المسئوليات للتلميذ لا تتناسب مع قدراته تضطره إلى إختراع حيل أو أكاذيب للتخلص من مظهر العجز .
4-وجود الطفل الفقير في بيئة غنية تدفعه لإختراع الأكاذيب و الحيل ليستطيع مسايرتهم
5- وجود نماذج من المدرسين لا يتصفون بالصدق و كثيرا ما يكذبون أمام التلاميذ , فيصبحون قدوة سيئة يقتدون بها .
6- وجود التلميذ في مواقف مخجلة أو محرجة تضطره للكذب سواء في البيت أو في المدرسة .
7- وجود بعض الآباء و الأمهات يخلفون الوعد , و يختلقون الأعذار لتفادي بعض المواقف , بل و يكذبون أمام أبنائهم و هم لا يعلمون أن الطفل يتشرب منهم هذه السلوكيات بعد أن يقلدهم .
8- بعض أساليب التنشئة الخاطئة كتدليل و الخوف الزائد تجعل الوالدين يتقبلون كذب أبنائهم و يتغاضون عنه فيستمربه الأبناء و يتعودون عليه .
و كل هذه العوامل و غيرها يتعامل معها الأخصائي الاجتماعي المدرسي بأساليبه العلاجية الذاتية و البيئية المناسبة .
المرجع : مداخل الخدمة الاجتماعية المدرسية و أهدفها التنموية الأستاذ الدكتور محمد سلامة غباري ,الطبعة الأولى , دار الوفاء لدنيا الطباعة و النشر الإسكندرية ص152-ص155