من أهم التحديات التي تواجه المعلمين اليوم التعامل مع العدد المتزايد من التلاميذ الذين لا ينتبهون لما يقال في الفصل والقابلية للتشتت وصعوبة التركيز وعدم قدرتهم على الاستقرار في مكان واحد خلال شرح الدرس ، وبالطبع فإن أولياء الأمور سوف ينزعجون عندما يصلهم خطاب من المدرسة تخبرهم فيه بأن طفلهم لا يريد أن يستمع ويثير المشكلات داخل الفصل ولهذا فإن درجاته في معظم المواد الدراسية منخفضة. وقد يفسر بعض المعلمين ذلك تفسيرات خاطئة ؛ إذ يري البعض أن هؤلاء التلاميذ يعانون من صعوبات التعلم ، أو أن سلوكهم يميل إلى الشغب والإهمال الذي يستحقون عليه العقاب ، وهناك من يصعب عليه تفسير تلك التصرفات ...
وحتى لا يختلط الأمر على المعلمين وأولياء الأمور في تفسير تلك المشكلة ، فقد تم وضع عدد من المعايير التي يجب تحديدها لكي نتعرف على الطفل الذي يعاني من نقص الانتباه والتي من بينها : ارتكابه أخطاء في الواجبات المدرسية أو الأنشطة الأخرى ، كما يواجه الطفل صعوبة في الاستمرار منتبهاً فيما يوكل إليه من مهام أو أنشطة ، وهذا إلى جانب أنه لا ينصت عندما يتحدث إلية شخص بشكل مباشر، وعادةً لا يتبع التعليمات ، ويواجه صعوبة في تنظيم المهام والأنشطة ،وغالباً ما يكره أو يتجنب أو يعترض علي المشاركة في المهام التي تتطلب جهداً عقلياً مستمراً ، وعادةً ما يفقد أشياء ضرورية لأداء المهام أو الأنشطة الموكلة إليه مثل الكتب والأقلام وغيرها ،ويشرد ذهنه بسهولة من خلال أي مثير خارجي ، هذا بالإضافة إلى أنه كثيراً ما ينسي الأنشطة اليومية.
وإذا صاحب نقص الانتباه حالة من النشاط الزائد فإن الطفل غالباً ما يحرك يديه أو قدميه أثناء جلوسه أو يتلوى بشدة علي المقعد ،وعادةً ما يترك مقعده في الفصل المدرسي أو في المواقف الاجتماعية التي يتوقع جلوسه فيها ،ويجري جيئةً وذهاباً بشكل غير لائق في بعض المواقف التي لا يعد ذلك مناسباً فيها ،ويواجه غالباً صعوبة في اللعب أو المشاركة في أنشطة وقت الفراغ بهدوء ،وعادةً ما يكون في حركة مستمرة فلا يكل ولا يتوقف أو يتحرك وكأن آلة تحركه ، كما يجد صعوبة في اللعب بشكل هادئ أو الاستغراق بهدوء في أنشطة وقت الفراغ ،وغالباً ما يتحدث بسرعة وبشكل مفرط.
وقد يصاحب نقص الانتباه النشاط الزائد أحياناً الاندفاعية والتي نجد الطفل خلالها غالباً ما يندفع في الإجابة عن السؤال بدون تفكير قبل أن يتم إلقاؤه ، و يجد صعوبة في انتظار دوره سواء في اللعب أو غيرها من الأنشطة الأخرى ، وعادةً ما يقاطع أو يقطع حديث الآخرين ويتدخل في شئونهم.
وقد تظهر بعض أعراض الاندفاعية والنشاط الزائد أو نقص الانتباه قبل عمر السابعة من عمر الطفل ، وقد تظهر بعض الأعراض في المدرسة أو المنزل . وينبغي أن تكون هناك دلالات واضحة علي القصور في الأداء الاجتماعي أو الأكاديمي.
ويُقِّسم الباحثون العوامل المسببة لاضطراب ضعف الانتباه والنشاط الزائد إلى نوعين رئيسيين يتفرع منهما العديد من الأسباب الفرعية المهمة يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:
أولاً: العوامل البيولوجية :والتي تضم :
(1) خلل وظائف المخ :
قد يرجع اضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد إلى وجود شذوذ طفيف في وظائف خلايا المخ؛ الأمر الذي يؤدي إلى التشتت وعدم ضبط النشاط الحركي. ولقد كشف العديد من الباحثين عن وجود شذوذ في رسم المخ لدي حوالي 65% من التلاميذ ذوي اضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد ؛ وخاصة تلك الحالات المصحوبة بعلامات عضوية ، أي أن هذا الاضطراب يحتمل أن يكون من أسبابه تلف نسيج المخ ؛ حيث أن البعض منهم يعاني من نوبات صرعية ، وقد يظهر الشذوذ في رسم المخ لدي 25% من الحالات غير المصحوبة بعلامات عضوية.
(2) أسباب ترتبط بالعوامل الوراثية:
لبحث العلاقة بين العوامل الوراثية ونقص الانتباه والنشاط الزائد كشفت نتائج دراسة ويسّ وآخرون Weiss,M. et al. (2000) أن أكثر من نصف الآباء من ذوي اضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد يورثون لأطفالهم هذا الاضطراب . وهذا ما أكدته أيضاً دراسة ويلّكوت وآخرونWillcutt,E.et al (2001) أن التلاميذ المصابين باضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد يوجد في أسرهم من يعاني من هذا الاضطراب ، كما أن معدل انتشاره بين أبناء تلك الأسر يزيد لدي التوائم عنه لدي غير التوائم ، ويزيد أكثر بين التوائم المتشابهة وخاصة تلك التي تأتي من إخصاب بويضة واحدة عنه بين التوائم غير المتشابهة التي تأتي من إخصاب بويضتين في رحم الأم .
(3) الخلل الكيميائي للناقلات العصبية:
لقد أكدت العديد من الشواهد أن اضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد يرجع إلي طبيعة الخلل الكيميائي للناقلات العصبية ، فقد راجع بيدرمان Biederman,J. (2004) العديد من الدراسات التي تبحث في أسباب نقص الانتباه والنشاط الزائد ؛ والتي قد كشفت نتائجها عن أن الخلل الوظيفي في منطقة ما تحت القشرة الدماغية وعدم التوازن في الدوبامين Dopamine والنورأدرينين Noradrenergic يساهمان في ظهور اضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد لدي التلاميذ ، ولذلك فإن تناول العقاقير التي تنشط الدوبامين والنورادين تخفف أعراض هذا الاضطراب من خلال إعاقة أو منع امتصاص الدوبامين والنورإيبنفرين Nor Epinephrine (ذلك الأخير الذي يعمل علي إعادة التوازن الكيميائي للناقلات العصبية وعلاج اضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد) .
ثانيًا : العوامل البيئية ، ومن بينها :
(1) أسباب تتعلق بمرحلة الحمل والولادة وما بعدها :
قد تتعرض الأم أثناء فترة الحمل لبعض المؤثرات وخاصة خلال الشهور الثلاثة الأولي التي قد تعرض الجنين بعد ولادته للإصابة باضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد ، ومنها : تعرض الأم للإشعاعات الضارة ، أو التعرض للأشعة مثل أشعة أكس ، أو تناول بعض العقاقير الطبية التي لها تأثيرات سلبية علي الجنين أو تعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية أو إصابة تلك الأمهات ببعض الأمراض الخطيرة مثل الحصبة الألمانية أو الزهري أو التوكسوبلازما .. وغيرها من الأمراض الأخرى. كما أن هناك عوامل قد تحدث أثناء عملية الولادة ؛ قد تتسبب في إصابة مخ الجنين أو تلف بعض خلاياه ومنها : نقص الأوكسجين أثناء الولادة ،أو الولادة العسرة ،أو استخدام الآلات لسحب الجنين كالجفت وآلة الشفط. بالإضافة إلى ما سبق فهناك عوامل تتعلق بما قد يتعرض له الطفل بعد ولادته قد تؤثر على إصابة خلايا المخ والمراكز العصبية المسئولة عن تركيز الانتباه ، ومنها : تعرض الطفل للحوادث والسقوط على رأسه ، أو الإصابة بالأمراض ومنها الحمي الشوكية والالتهاب السحائي والدفتيريا .. وغيرها من الأمراض الأخرى ، أو التعرض للتسمم ببعض الغازات السامة كغاز أول أكسيد الكربون ، والرصاص ، والزئبق .
(2) أسباب تتعلق بنوع الغذاء :
أشارت بعض الدراسات أن هناك علاقة بين أنواع معينة من الأغذية واضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد ، وخاصة تلك التي تحتوي على السكريات ، والمواد الحافظة ، والألوان الصناعية مثل : الشيكولاتة والآيس كريم والمشروبات الغازية والمأكولات .. وغيرها من المأكولات الأخرى. إلا أنه في المقابل توصلت دراسات أخري إلى عدم تأثير هذه المواد الغذائية علي سلوكيات التلاميذ ، بل الأكثر من ذلك فقد تبين أن منع الآباء لأطفالهم لتناولها يزيد من غضب هؤلاء التلاميذ ؛ مما يؤدي بهم إثارة آبائهم نحوهم بحركات استفزازية . في حين يري آخرون أنه حتى الآن لم تحسم مسألة تأثير المواد السكرية على اضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد بعد ، غير أنه يمكن القول أنه يجب منع تناول كل التلاميذ للأغذية المحتوية على نسب عالية من السكريات البسيطة أو المنتجات المحلاة صناعياً.
(3) أسباب تتعلق بالعلاقات الأسرية:
أكدت العديد من الدراسات أن هناك علاقة بين أساليب المعاملة الوالدية اللاسوية واضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد ، حيث كشفت نتائج تلك الدراسات عن أن التلاميذ ذوي اضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد أكثر إدراكاً لاتجاهات الآباء والأمهات السلبية " التسلط ، والتذبذب ، والتفرقة ، وإثارة الألم النفسي " عن إدراكهم للاتجاهات السوية .
وهكذا يتضح مما سبق مدى أهمية دور المعلمين والمعلمات في مواجهة مشكلة نقص الانتباه والنشاط الزائد ، إذ ينبغي عليهم القيام بعدد من الإجراءات التي تساعد على زيادة انتباه الطفل وضبط سلوكه أثناء الاستماع للدرس ، ومن بين تلك الإجراءات ما يلي :
(1) إن التلميذ الذي يعاني من ذوي اضطراب نقص الانتباه والنشاط الزائد بحاجة للمرور بخبرات ناجحة في إكمال مهمات قصيرة ومحددة ، ولذلك ينبغي على المعلمين أن يخصصوا وقتاً قصيراً ومحدداً لأداء المهمات المطلوبة ، ويزداد الوقت الذي تحتاجه المهمات تدريجياً مع تزايد قدرة الطفل على الانتباه لفترة أطول.
(2) ينبغي على المعلمين منح هؤلاء التلاميذ المعززات المتنوعة ( مثل الإشارة والابتسامة) لأقل استجابة كالانتباه إلى السؤال ، وإعطائهم مكافأة أكبر على الإجابة الصحيحة ، وتزداد كمية التعزيز بازدياد فترة الانتباه .
(3) تعليم الأطفال التركيز على العناصر الهامة في المواقف التعليمية ، و يستخدم عادة لهذا الغرض المسابقات التي تعتمد على الكلمات لتوضيح المهارة في التمييز وعلى الطفل أن يصغي وأن يعي العناصر الأساسية.
(4) التدريب على الاسترخاء و التدريب على التنفس العميق ، والذي يعد فعالاً خاصة في حالة الأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه المصحوب بالنشاط الزائد .
المصدر: مُنْتديَات إشْرَاقـةٌ النُور النسّائية