تأثر الجنين بسلوك الأم

تأثر الجنين بسلوك الأم:
هناك عوامل كثيرة تؤثر في تكوين الجنين ونموه أثناء الحمل وتتعلق هذه العوامل بالنواحي الفسيولوجية والنفسية للأم الحامل بالإضافة للعوامل البيئية المحيطة فعلى سبيل المثال يرى "ماكفارلان " أن تعرض الأم لفترات طويلة من الضغوط النفسية يزيد من حركة الجنين وتوتره وتهيجه داخل الرحم وربما تستمر هذه الحالة المزاجية بعد ولادته على صورة مشكلات في تناول الرضعات ويتأثر الجنين عضويا وعصبيا بشكل مباشر بسلوكيات الأم وتصرفاها مثل التدخين وإدمان المخدرات والخمور في أثناء فترة الحمل كما أن عمر الأم وصفاتها الجسمانية وحالتها الصحية يؤثر على الجنين وصحته حيث أن الحقائق العلمية تبين أن الأمهات صغار السن (أقل من 14سنه) ما زالت أجسامهن غير مستعدة لتحمل أعباء أخرى مثل تغذية الجنين أثناء الحمل حيث تحتاج الأم نفسها لمواد الغذاء الأساسية لتستكمل نموها أما من الناحية الإدراكية فإننا نجد أن الأم صغيرة السن قد لا يكون لديها الخبرة والنضج لتفهم أعباء الحمل أو التعامل مع التغيرات النفسية التي تصاحبه .
ولقد وجد العلماء أن حالة الأم الصحية تؤثر على نمو الجنين وسلوكياته بشكل طبيعي وتزيد من فرص حدوث مشكلات مصاحبة للنمو وهناك مجموعة من الأمراض يمكن أن تنقلها الأم المصابة إلى الجنين فيصبح أكثر تعرضا للخطر فعلى سبيل المثال وجد أن الأم المصابة بأمراض جنسية مثل السيفلس تنقل العدوى للجنين فيصبح (25%) منهم معرضا للموت أثناء مرحلة التكوين الأولى و25% من الباقين سوف يعانون من أعراض ومشكلات أخرى مثل الالتهاب الرئوي وأمراض الجلد.
(سليمان,حسين حسين,السلوك الإنساني والبيئة الاجتماعية:2005, 93-95)

يتأثر الجنين بسلوك أمه منذ لحظة التلقيح يرتبط الجنين بجسد أُمه ويبدأ التواصل الثنائي (أم ـ طفل) فالعلاقة بين الأم والطفل بعد الولادة والتي ينظر لها كظاهرة فريدة، هي في الواقع استمرار للارتباط الذي بدأ قبل ذلك والذي استمر تسعة أشهر، فاستجابات الوليد لإشارات أُمه ومداعباتها هي استمرار لمعرفةٍ استطاع تكوينها وهو جنين يقول الطبيب الأمريكي (توماس فيرني) عندما يولد المولود ويأتي لهذه الحياة لا يبدأ بالتعرف إلى عالم كان يجهله، وإنما هو يتابع خبراته التي تكونت لديه وهو في رحم أمه”.
لقد تمكن الباحثون من متابعة سلوك الأَجنة وحركتها بسبب تطور وسائل الملاحظة (الإيكو) فتمكنوا من مشاهدة حركات الجنين وردود أفعاله للمؤثرات الخارجية ، وتمكنوا من اكتشاف أسباب جديدة للسلوك المنحرف سواء من الناحية العقلية أو المزاجية أو الاجتماعية بسبب رفض الأم للحمل وضعف الرابطة بينها وبين الجنين.
لقد بينت دراسة لـ (ستوت ولا تشفورد 1976 Stott flatchford) والتي تضمنت مقابلة مع (1300) امرأة حامل، أن هناك علاقة بين الاضطراب الانفعالي للأم قبل الولادة وصحة المولود وسلوكه، فمثلاً موت الزوج خلال فترة الحمل يرتبط باضطرابات السلوك عند الرضيع، وتبيَّن أن اتجاهات الأم الحامل نحو الجنين (كتَقَبُّل الحمل أو رفضه) تؤثر على اتجاهاته بعد الميلاد.
كنت أتحدث في مثل هذا الموضوع خلال محاضرة قدمتها في أحد المراكز الثقافية ودار حوار بيني وبين أحد الحضور الذي أبدى عدم قناعته بأن الجنين يتأثر باتجاهات أمه نحوه وهو جنين، وقامت سيدة من بين الحضور لترد عليه قائلة لقد خضت تجربة الرفض مع أَصغر أولادي، فقد توفي زوجي وأنا حامل في الشهر الرابع، وحزنت عليه حزناً شديداً، وتمنيت لو أَتخلص من حملي لكي لا يتربى يتيم الأب، وعلى هذا فلم أكن سعيدة بحملي، ولم أشعر بالفرح من قريب أو بعيد.. وعندما ولدت رفض الوليد أن يتناول ثديي وآثر النفور مني والابتعاد عني، أدركت عندها خطأي بحقه، بعد استشارة أخصائي بقيت أحاول التقرب منه وإشعاره بمحبتي قرابة أربعة عشر شهراً بدأ بعدها يقبل التقرُّب مني قليلاً قليلاً....

وفي المقابل:
أجريت ملاحظات وتجارب عديدة حول أُمهات يتحدثن مع أجنتهن.. ويغنين بعض الترنيمات فتستجب الأجنة استجابة من يسمع ويترنم، ودرست مظاهر هذا السلوك، وعرفت من خلال انتظام النوم والتهام أكبر قدر من الغذاء المتوفر في السائل الامينوسي الذي يغلفه ويحيط به، وتوفر له شروطاً أفضل في التنفس ومجالات للنمو في كافة أشكاله وصوره العقلية والعاطفية والحركية، هذا إضافة إلى التفتُّح النفسي والإدراكي...
وينصح الدكتور “تاهيس” الأم أن تتمدد وهي مستلقية وأن تبدأ بالاسترخاء حتى تشعر بالراحة الكاملة لعضلات بطنها وذلك حتى تتوصل إلى (ارتخاء تام) للجدار العضلي الذي يشكل حاجزاً بينها وبين جنينها، وحين يغدو بطنها في ليونة تامة تستطيع أن تبدأ برنامج التسلية مع ولدها، ولتأخذ بطنها بين يديها بشكل محكم وكامل، ولتحافظ على هذا الوضع بعض الوقت حتى يتكون لديها إحساس بضغط خفيف، ثم تضغط بإصبعها قليلاً ثم تخفف الضغط... وإذ ذاك فإن الطفل سيبدأ حركته و(سيستجيب) لهذه التسلية.. ولكن متى يمكن البدء بهذا البرنامج؟.. إنَّ في وسع الحامل أن تفعل ذلك حالما تحسُّ بأولى حركاته ويكون ذلك إجمالا بين الشهر الثالث والرابع...

تأثير انفعالات الأم على الجنين:
هناك عديد من العادات الشعبية والأقوال المأثورة التي تشير إلى أن المرأة الحامل إذا أُخيفت من شيء فإن طفلها سيكون جباناً فيما بعد، وإذا قرأت ودرست كثيراً فإن طفلها سيكون ذكياً، جميع هذه الأساطير الشعبية تفترض أن ما يحدث للمرأة أثناء حملها يمكن بالتالي أن يؤثر على جنينها، وقد حدَّد العلم الحديث وبصورة أكثر دقة العوامل التي تؤثر على الجنين أثناء فترة الحمل، حيث أشارت نتائج دراسات كل من (نيسوندر جوردون 1972 niswander Jordon) إلى عديد من التأثيرات الجسمية مثل تشوه الأذن والأصابع، والفراغ الواسع بين الإصبع الأول والثاني وانحناء أو تقوُّس الأصابع الخمسة، وأشارت هذه الدراسات إلى ارتباط هذه الأعراض بالضغوط الانفعالية للأم خاصة أثناء فترة الجنين غير المكتمل والتي تقع بين 6ـ 12.أسبوعاً وهي الفترة التي يكون فيها جسم الجنين في مرحلة البناء والتكوين، كما أن الضغوط الانفعالية على الحامل يرتبط بعمليات الإجهاض، حيث أشارت بعض الدراسات أن المرأة التي تكرر لديها الإجهاض، تميل لأن يكون لديها صراعات نفسية أكثر، وأن رغبتها في امتلاك طفل تكون ضعيفة، وذلك إذا قورنت بالمرأة التي تحمل بصورة عادية وتتم ولادتها طبيعياً، وجدير بالذكر أنه يجب الإشارة إلى أنه بالنسبة لهؤلاء النساء نجد الإجهاض الذي حدث يقودهن إلى القلق على الحمل الثاني.
كما وإن الأطفال الذين يولدون بعد فترة حمل تقل عن 37 أسبوعاً، تكون كذلك مرتبط بالحالة الانفعالية للأم..
وأشارت بعض الدراسات إلى أن الأمهات الحوامل اللاتي لديهن مشكلات نفسية واضطرابات حادة في الشخصية مثل “الفصام” يبدو أنهن أكثر عرضة وبصورة مرتفعة لحدوث مشكلات وتعقيدات ولادية كالإجهاض والولادة المبكرة والمضاعفات والتعقيدات الولادية، وذلك إذا ما قورنوا بالأسوياء.

ـ عادات الأم:
التدخين: أشارت دراسات قام بها (يروشلمي yerushelmy) إلى وجود علاقة بين تدخين الأم أثناء فترة الحمل وبين قلة وزن المولود، كما أن المواليد ذات الأَوزان الأقل كانت مرتبطة بصورة عامة بإعاقات جسمية متنوعة، وكانوا أعلى في معدل الوفيات من الأطفال العاديين، وإن الارتباط السببي لم يكن قاطعاً في هذه الدراسات، وعموماً فإن هناك خصائص معينة للمرأة المدخنة هي التي تقود لكل هذه الأحوال.

تغذية الأم أثناء الحمل:
إن نقص غذاء الأم يؤدي إلى نقص غذاء الجنين مثل نقص فيتامين ب المركب ممكن أن يؤدي إلى نقص في النمو الجسمي لدى الجنين ويسبب الكساح وفقر الدم ويؤدي إلى ضعف الجهاز العصبي والضعف العقلي، فعلى الحامل أن تهتم بنوعية الطعام أكثر من كميته، فتتناول غذاء يحوي البروتينات لتساعد في بناء خلايا الجنين بشكل عام والخلايا العصبية بشكل خاص، وتتناول الفواكه والخضار الطازجة والتي تزود الجنين بالفيتامينات وتساعده على المناعة ضد الأمراض، وإذا لم تتناول الكالسيوم بصورة كافية سوف يؤخذ من عظامها وأسنانها لكي يسد حاجة الجنين.
وأشارت بعض الدراسات إلى أن النقص البروتيني الشديد ينتج أطفالاً أقل في معدلات ذكائهم.
الأدوية: يتأثر الجنين عندما تتناول الأم كميات من الأدوية دون استشارة طبيب
تعاطي الخمور: أشارت دراسات إلى أن تعاطي الكحول والمخدرات يؤدي لقتل الخلايا الحساسة في الجسم عند الجنين وخاصة خلايا الدماغ والخصيتين والمبيضين ويؤدي إلى اضطراب وعدم استقرار الجهاز العصبي ونقص في الوزن هذا عدا احتمال حدوث الولادة المبكرة وزيادة النسبة المئوية للكحول في دم الجنين.
ومهم أن تتجنب الحامل الإرهاق والابتعاد عن مصادر العدوى بالأمراض المعدية التي لها تأثير على صحتها وصحة جنينها.


منقول للفائدة