يمارس الإنسان طوال حياته – طالت أم قصرت- أنماطاً متعددة ومتنوعة من السلوك، فإذا واجهه موقفاً جديداً غير من سلوكه وعدل فيه ، وما يميز الإنسان عن غيره أنه يعيش فى وسط اجتماعى يتأثر به ويؤثر فيه، مما يفرض عليه أن يتعلم أنماطاً سلوكية تساعده على التكيف مع البيئة ويتوافق مع نفسه ومع الآخرين.
ومن الحقائق المألوفة أننا نميل إلى تكرار السلوك الذى يعود علينا بالنفع والنتائج المفيدة، ويخلصنا من الألم أو الضيق، فإذا ما طرحت فكرة معينة ووجدتها تلقى قبول واستحسان زملائك فأغلب الظن أن حماسك سوف يزداد لرأيك، وسوف يشجعك لطرح وعرض آراء أخرى، وقد يقبل الطالب على المقررات الدراسية وهو كاره لها، ويتحمل الصعاب والمشاق كي يحوز على الإثابة المادية والمعنوية وهى النجاح، وبالتالى يحوز على القبول الاجتماعى من الآخرين.
ولذلك نجد أن التدعيم الإيجابى يساعد الإنسان على تعلم السلوك السوى. ولذا فإن السلوك الإنسانى ضرورة لقيام علاقات اجتماعية سليمة مع الآخرين.
ونظراً للتقدم العلمي والتكنولوجى، وظهور عصر المعلوماتية وما استتبعه ذلك من تغير اجتماعى سريع ومتلاحق فى البيئة، وفى شتى مناحى الحياة، مما شكل عبئاً وضغطاً نفسياً على كاهل الإنسان, وأثر على توافقه، ولعل سر انتشار الأمراض النفسية والعقلية اليوم إنما يرجع لصعوبة تكيف الإنسان لتغيرات البيئة التى لم تعد محلية أو قومية بقدر ما هى عالمية إنسانية، ومتجددة يوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، حيث أن معرفة الإنسان لبيئته لا تقف عند حد، فكلما وصل إلى نهاية معينة أصبحت هذه النهاية بداية لمعرفة جديدة، وكل معرفة جديدة تغير فى سلوك الإنسان تجاه بيئته.
وإذا ما عرفنا أن كل لحظة فى حياة الإنسان تمر به ، فهى تضعه فى مواجهة موقف أو إزاء مشكلة، وأن عليه أن يتكيف ويتوافق معها، أدركنا أن الحياة كلها توافقات موقفية.
فالتوافق إذن هو ثمرة التكيف, ولم يعد التوافق نوعاً من الترف .. وإنما أصبح مقوماً أساسياً من المقومات التى يحتاجها الإنسان فى الحياة المعاصرة .. ذلك أن العصر الذي نعيش فيه قد ازدحم بالمشكلات التى فرضتها طبيعة ونمط العلاقات اليومية التى غلبت عليها المادة وانكمشت فيها النواحى الإنسانية.
ولذلك فإننا نستطيع أن نحكم على شخصية الإنسان من خلال سلوكه، أي من حيث كون هذا السلوك متوافق أو أنه سلوك يعبر عن سوء التوافق, فالتوافق مظهر مهم للسلوك الإنساني.
ايضاً التكيف يعتمد على الجوانب البيولوجية الخاصة بالإنسان ككائن حي, كالتنفس والعيش في البيئة الموجود بها، وأن يتقبلها كما هي دون تغيير أو تعديل أو يحاول التعديل بقدر ما تسمح به الظروف، بينما يرتبط مفهوم التوافق بالجوانب الاجتماعية للإنسان فقط، ولذا فهو مفهوم إنساني.
وبالرغم من اختلاف الباحثين حول مفهومي التوافق والتكيف إلا أنهما مكملان بعضهما للبعض، فحيث يكون التكيف على المستوي البيولوجي والذي تشترك فيه جميع الكائنات، يكون التوافق خاص بالإنسان فقط والذي يتميز بالحكم العقلي والإرادة.
وبرغم أن مفهوم التوافق يعد مصطلح سيكولوجي وهو أحد مظاهر الصحة النفسية السليمة إلا أنه يتسع ليتضمن معني التكيف على إطلاقه (بيولوجياً- اجتماعياً).
فالإنسان الذي لا يستطيع أن يحقق التوافق مع نفسه وذاته، لن يحقق التوافق الشخصي، وبالتالي لن يستطيع أن يحقق التوافق مع بيئته ومحيطه الاجتماعي، كم أن عدم تكيف الفرد بيولوجياً مع بيئته سيؤدي حتماً إلي سوء توافقه النفسي والاجتماعي, فالإنسان يتكيف بيولوجياً ويتوافق نفسياً واجتماعياً.
د/ عمر الفاروق السنوسي
استاذ علم النفس المساعد