تفسير السلوك الإنساني:
يقصد بالسلوك بوجه عام الإستجابات الحركية والغدية، أي الإستجابات الصادرة عن عضلات الكائن الحي أو عن الغدد الموجودة في جسمه أو الأفعال والحركات العضلية أو الغدية. وهناك قلة من علماء النفس الذين يقصدون لفظ السلوك على السلوك الخارجي الذي يمكن ملاحظة ومشاهدته ولكن غالبية علماء النفس المعاصرين يقصدون بالسلوك جميع الأنشطة التي يقوم بها الكائن الحي، وبذلك يدخل تحت مفهوم السلوك المناشط العقلية والمناشط الفسيولوجية التي تحدث داخل الكائن الحي ذاته، وبذلك يشمل السلوك جميع مناشط الكائن الحي الداخلية والخارجية. ولكن يختص (علم النفس) على وجه الخصوص بدراسة بعض أنواع السلوك. مثل التفكير والتعلم والإدراك والتخيل والتذكر بينما يختص علم الفسيولوجيا بدراسة مظاهر أخرى من السلوك كالتنفس والدورة الدموية والنبض وإفراز الغدد. وهناك محاولات مختلفة لوصف السلوك، فيقسم السلوك إلى سلوك فطري وسلوك مكتسب متعلم، وهناك سلوك سوي وسلوك مرضي. هناك السلوك المقبول اجتماعياً والسلوك المضاد لمبادئ المجتع. وواضح أن الحيوان والإنسان يأتيان بكثير من أنماط السلوك وأن هناك بعض الظواهر السلوكية التي يختص بها الإنسان كالتفكير والتذكر والتخيل والتصور والنطق. وهناك بعض أنواع السلوك التي يشترك فيها الإنسان والحيوان.
والحيوانات كبيرها وصغيرها تقوم بأفعال كثيرة بطريقة فطرية تلقائية. ونعني بذلك أن الحيوان لم يتلق تعليماً أو تدريباً في أوانها. فصغار الأفراخ تلتقط الحبات الصغيرة مما يقدم لها من طعام دون أن تتلقى تدريباً في أصول هذه العملية وكذلك الطيور تبنى أعشاشها لكي تعيش فيها وتضع بيضها بها. وذلك بلا سابق تعلم أو تدريب. وفي الواقع تقوم بعض الحيوانات بأنماط معقدة جداً من السلوك الذي تأتي به فطرياً أو بلا تعلم أو تدريب. فقد عزلت بعض الطيور الصغيرة وربيت في أعشاش معدة صناعياً، ولكنها بمجرد أن شعرت بقرب موعد بيضها بدأت في بناء أعشاشها. وهناك قطعان من الطيور التي تهاجر شتاء إلى أماكن أخرى غير موطنها الأصلي وذلك طلباً للدفء وسعياً وراء الطعام وكذلك الأسماك والفيله والغزلان مثلاً لايهتم (علم النفس) بدراسة كيفية قيام الأفراد بأنماط مختلفة من السلوك فحسب ولكن أيضاً بدراسة الأسباب التي تدفعهم إلى القيام بالسلوك، ففي الإجابة على تساؤلنا لماذا يسلك الناس هذا السلوك تكمن مشكلة الدوافع الإنسانية. فعلم النفس يهتم بدراسة الدوافع لمحاولة فهم السلوك ومن ثم فهم الشخصية الإنسانية بوجه عام. ومن الواضح أن السلوك الإنساني ظاهرة معقدة غاية في التعقيد، وكذلك الدوافع التي تكمن وراء هذا السلوك ليست بسيطة كما يتصور البعض. وكلما تقدم الإنسان في العمر من الطفولة إلى المراهقة إلى الرشد كلما زاد تعقيد سلوكه ودوافعه وتنبع أقوى الدوافع الإنسانية من حاجات الجسم العضوية مثلاً: سلوك (طفل جائع) وهو يكافح من أجل الحصول على الطعام أو طفل عطشان. وسلوك الفرد أياً كان يستهدف دائماً (إشباع) دافع معين، ولكن السلوك يعتمد أيضاً على عدة عوامل منها درجة نضج الفرد وحالته الفسيولوجية وخبراته السابقة وميوله واتجاهاته.
أما الحاجات أو الدوافع الأولية فإنها تشتق من حاجات الجسم نفسه ومن أمثلة ذلك الحاجة إلى الماء والهواء والطعام والدفء. فالجوع مثلاً ينشأ من حاجات الجسم إلى الطعام دون نقص ما يوجد من غذاء داخل المعدة. ولذلك فإن رغبة الفرد في الحصول على الطعام إنما تنشأ من حالة حسية مصدرها المعدة. هذه المثيرات الداخلية تثير مناشط عامة إلى جانب النشاط المباشر الذي يستهدف الحصول على الطعام وتناوله فقد دلت التجارب على أن الفرد إذا استلقى ونام ثم سجلت حركاته أثناء نومه وجد أن حركات القلق والحيرة تظهر أكثر ما تظهر عندما تكون المعدة في حالة الإنكماش أو تقلص كذلك دلت ملاحظات تجربية أن المشتغلات على الآلة الكاتبة أكثر في حالة عدم إمتلاء بطونهن بالطعام. والملاحظ على سلوك الطفل الرضيع في حالة شعوره بالجوع أنه سلوك كلي، فهو يحرك كل جسمه ويصرخ ويبكي ويحرك يديه ورجليه ورأسه. ولا يتخصص السلوك ويصبح نوعياً إلا بعد اكتساب الخبرة والمرات عندما يتقدم الطفل في العمر. أن التعلم يؤدي إلى تغيير السلوك حيث يتعلم الفرد الإتيان ببعض العادات التي تشبع دوافعه، فهناك علاقة بين السلوك وبين قدرة الفرد على التعلم.