يبدأ الطفل بالتعلم في مرحلة مبكرة من حياته , ويعتمد في ذلك على عدة وسائل منها المحاولة والخطأ , والممارسة والتكرار و التقليد وغيرها ,و من الوسائل المهمة لإكتساب المعرفة لدى الطفل هي (طرح الأسئلة) , فالطفل عادة يكون كثير الأسئلة , للتعرف على العالم المحيط به , فهو لا يمتلك مصادر لإكتساب المعرفة , سوى سؤال الآخرين المحيطين به .
تؤكد الدراسات الحديثة أن الطفل في مرحلة ما قبل الدراسة يطرح اسئله بمعدل 100 سؤال في اليوم , لكنه في مرحلتي الابتدائية والمتوسطة يتناقص المعدل شيئا فشيئا , وفي لحظة ما وبفعل (التعليم التقليدي ) يتوقف حماسنا لطرح السؤال والبحث والاستفسار , فالتعليم التقليدي يكافئ ابنائنا على الأجابة على الأسئلة لا على طرحها , وغالبا ما تكون الاجابات المطلوبة وفقاً لنماذج صارمة بل ويعاقب أحيانا على كثرة السؤال , وهكذا يسير التعليم في مجتمعاتنا بخطى ثابته نحو الوراء , لأنه ببساطه يخلف وراءه أزمة ثقة في قدرتنا على استكشاف الحياة .
هذا من جهة ومن جهة أخرى , الإهتمام بمناهج معينة ومحددة دون المناهج الأخرى , من الرائع أن المدرسة تكسب الطفل العلوم في المجالات المختلفة ما بين العلوم الطبيعية والانسانية واللغات و الفنون المختلفة , ولكن السيئ في الأمر هو كيفية النظرة إلى هذه المواد والتمييز بينها .
يقول كين روبنسون أحد المتألقين و الخبراء في مجال التعليم أن أن المناهج التعليمية تتخذ شكلا هرميا حيث نجد العلوم و اللغات في أعلى الهرم بينما تتوسط العلوم الإنسانية هذا الهرم و أخيرا تقبع الفنون بأنواعها أسفله. و هذا هو السبب الرئيسي وراء إنسحاب الكثير من التعليم, إذ أنه لا يغذي أرواحهم و لا يغذي طاقاتهم و شغفهم , إضافة إلى ذلك أن العديد من العباقرة و المبدعين عاشوا حياتهم معتقدين أنهم ليسوا جيدين بما فيه الكفاية لأن كل ما كانوا يبرعون فيه في المدرسة من مواد لم تكن تقدر أو حتى كانت توصم. لذلك يبتعد الكثير عن مواهبهم الحقيقية منذ سنوات المدرسة الأولى.
ان قمع السؤال هو قمع لعقل الإنسان والتجاهل وعدم تقدير بعض المواد والمجالات التي يحبها الطالب ويبرع فيها , هو قتل لروح الإبداع وسبب لتلاشي المواهب , التي إن وُجدت وتم الإهتمام بها ورعايتها لأحدثت نقلة نوعية في طبيعة حياة ذلك المجتمع , فهذا يبرع بالرياضيات وآخر يبرع في الرسم , وآخر في الكيمياء وآخر في الفنون الموسيقية و غيرها من المجالات الأخرى التي لا يجب أن نفرق بينها , فلا يزال الناس بخير ما تباينوا، فإذا تساووا هلكوا , وبهذا الإختلاف تعمر الأرض وتستمر الحياة فيها .
هذا النظام الخاطئ في المدراس غالباً ما يبعد الكثيرين عن مواهبهم الحقيقة ويقتلعهم من المجال الملائم لهم ولعقولهم , كما أن المدرسة لا تعتبر مصدراً مناسبا لهم للمعرفة والمعلومات , حيث لا يحصلون على الإهتمام كما لا يجدون التشجيع على البحث والنقد وطرح الأسئلة .
الإنسان هو الثروة الأساسية للأمة، ومن ثَم فإن تنمية القدرة المبدعة والابتكارية تصبح الهدف الأسمى لأي نظام تعليمي . و الموهوب في أي مجتمع هو الطاقة الجوهرية، والثروة الكبرى التي يستحسن بل يجب استنباتها واستثمارها وتوجيهها والعناية بها, حيث أن تقدُّم المجتمعات مرهون بمدى الاستفادة والاستغلال لطاقاتها وقدراتها، وحسن استغلال الطاقات والقدرات البشرية ذات الطاقات العقلية الابداعية والابتكارية حيث تكون في مواقع العطاء من التخطيط وصناعة القرار في مجالات الحياة المختلفة .
ويأتي هنا دور الأخصائي الاجتماعي في المدرسة بالأهتمام بهذه الفئة , فئة الموهبين من خلال التشجيع على الابداع في المواد المختلفة , وذلك من خلال عدة وسائل كإقامة المسابقات و إقامة المحاضرات التعليمية في المجالات المختلفة , والدورات التدريبية , أي إتاحة الفرصة للطالب لإبراز قدرته في المجال الذي يرغب فيه . أيضاً ينمي الوعي لدى المعلمين بأهمية الإستماع إلى الطالب واراءه وأسئلته وأخذها بمحمل الجد والإهتمام , وتشجيع المناقشة والتعبير والنقد. فعسى أن يكبر هذا الطالب ويتخرج من المدرسة ويلتحق بالتخصص الذي رآه مناسب له , من ثم يتقن عمله ويبدع فيه ونرى من ابتكاراته و اختراعاته وبحوثه ما يدفع عجلة التنمية إلى الأمام ويساهم في تطوير بلده .